هل حقا يفهم الرجل والمرأة بعضهما البعض؟


لا يسمعون أبدا ما يقلن لهم، أما هنّ فيسمعن كل شيء لكن هن كثيرات الكلام... هل هذا صحيح أم أنه مجرد فكرة شائعة؟ هل نحن نتكلم لغات مختلفة؟ ما الدور الذي يلعبه سوء التفاهم في الحياة الزوجية؟ وهل يمكننا أن نطمح الى توافق محتمل؟

 

unsplash.com


      المضامين:

  •     رجال صامتون ونساء غامضات
  •     حكاية بلا كلمات


في تلك الليلة، ذهبت الى حفل أَقامتهُ صديقتها المقربة، وكانت تلك فرصة مناسبة لتحظي لنفسها بفسحة لكن أيضا لتفرغ ما في صدرها من شكوى تجاه زوجها، تريد أن تشكو لصديقتها ولكل المدعوات الاخريات اللواتي لا تعرفهن... لم تكف عن الاعتذار لهن عن إزعاجهن بالشكوى، لكنهن كنّ مصغيات ومقدرات ومواسيات لها.

لم تعد تطيق الحالة التي أصبح عليها زوجها حيت تغير كليا، أصبح صامتا طوال الوقت ومهووسا بالعمل، صار غير مهتم بها وبمشاعرها وبالعناء الذي تتجرعه ولا حتى بابنيهما. عشرون سنة وهي على هذه الحالة، تزاول عملا لا يطاق وتهتم بأمور البيت، لا شيء تغير سواء بقي صامتا أو منفعلا حينما تصرخ عليه غاضبة. عشرون سنة والأبواب تصفع... وبعد كل خصام شرس، ينتهي بهما الامر للتصالح في الفراش.

قبلت بهذا الوضع، و ما عساها تصنع؟ ! "هذا كله مرفوض، نحن لا نتفاهم أبدا"، هذا جعلها تفكر باستمرار في فكرة الطلاق. كان هذا الموضوع الوحيد الذي تحدثت عنه بينما كانت صديقاتها يصغين اليها لمدة 5 ساعات من دون مقاطعتها.

هل فعلا يستطيع الرجال والنساء ان يستمعا لبعضهما البعض؟  جاك لاكان، المحلل النفساني الفرنسي المعروف يجيب في ندواته ساخرا: بلى، يمكن أن يفعلا حينما يصرخان على بعضهما البعض! لكن هل تلك التصورات السائدة حول صعوبة التواصل بينهما هو فقط تصور مغلوط؟ هل نحن مختلفون، وجاهلون ومتباعدون لهذا الحد عن الجنس الآخر الى مستوى أصبحنا فيه غير قادرين على التفاهم وعلى الإستماع لبعضنا البعض؟ كلا، الامر ليس كذلك، فالجنس الآخر ليس أبدا غريبا عنا. ليست هناك امرأة تجسد كيانا أنثويا خالصا، كما ليس هنالك رجل يجسد كيانا ذكريا خالصا مستقلا، فكلاهما يجسد مزيجا من الجنسين معا، وهذا ما يشير إليه سيكمونت فرويد. ما كان صحيحا خلال قرن مضى فهو صحيح اليوم أيضا، فالرجل يحمل في دواخله جزءا لا واعيا من الانوثة، تماما كما هو الحال بالنسبة للمرأة التي تحمل هي الأخرى في دواخلها جزءا من الذكورة اللاواعية.

 

unsplash.com


رجال صامتون ونساء غامضات

توضح ماري-لولر كولونا، المحللة النفسية المتأثرة بنظرية يونغ النفسية وصاحبة كتاب مغامرة الأزواج في العصر الحاضر (دار النشر ديرفي2007) "أن العلاقة بين الأزواج ليست علاقة ثنائية الجانب كما يعتقد البعض، بل هي علاقة متعددة الأبعاد، حيث لا يتدخلان فيها لوحدهما بل تتدخل فيها عوامل النسب كذلك: "فباعتباري امرأة فإني سأقع في حب رجل يقترب من جانبي الأنثوي، بينما الرجل فهو الآخر سيغرم بالمرأة التي سترتبط بجانبه الأنثوي العميق الذي له ارتباط وثيق بالطفولة، وبالأم والأخوات، وأيضا بالجانب الأنثوي لدى أبيه. فالرجل دائما يملك جانبا أنثويا واعيا الى حد ما والذي يتحدد بالتاريخ الشخصي."

فالمعطى هو نفسه بالنسبة للنساء. هذا النوع من الهجونة النفسية تدل في نهاية المطاف، في جزء كبير منها، على رغبتنا في "الاصغاء" لبعضنا البعض بشكل جيد، الا أن هذا ليس كافيا لنحقق التفاهم المنشود. فالطرف الاخر ينفلت منا دائما وبالتالي فالعلاقة معه تعطينا انطباعا بعدم التوافق. وهذا ما تبوح به ن،م وهي امرأة تبلغ من العمر 36 عاما وهي متزوجة منذ  4 سنوات بـــ د،غ البالغ من العمر 38 سنة، حيث تتساءل قائلة: "لكن لماذا يصمت عندما أطلب منه أن يبوح لي بما في قلبه؟ لماذا لا يخبرني بما يحس به؟ ".

ولأسباب ثقافية بالدرجة الأولى، ووفقا لماري لور كولونا: "فنحن نعيش في مجتمعات ذكورية تفرض فيها مظاهر القوة والفحولة على الرجال ألا يعبروا عن تلك المشاعر التي بداخلهم، وثقافتنا حثت الرجال على القطيعة مع عالم الاحاسيس، وذلك بتعليمهم عدم التعبير عنها، وهذا يجعلهم يؤسسون إحساسا كبيرا بالضعف في دواخلهم، فهم يكبحون المشاعر في دواخلهم، لكن عندما تهاجمهم هذه المشاعر فإنهم لا يعرفون كيف يتعاملون معها. وفي الغالب الاعم فهم يكبحونها وهم يحاولون التظاهر بأن الصمت يكسبهم قوة على الحكمة والصمود، لكن عندما تطفو مشكلة ما على السطح فإنهم لا يستطيعون البوح بها." وبالتالي فالعالم الوجداني الداخلي يسبب لهم الكآبة ويرون أنه يهددهم ويهُدُّ كيانهم.    

ويرى المحلل النفساني ايف ديبيلسونير من جهته أن الرجال إذا بقوا صامتين عندما تنتظر نسائهم أن يجيبوهن، فإن ذلك مرده الى أنهن يتركنهم بلا صوت؛ ويقول أن:" الرجل عندما يكون في مواجهة المرأة فإنه، مهما يكن، فهو أمام سرّ فيه مزيج من الرغبة والاستمتاع. هو وحده من يواجه هذا السر وليس المرأة. وعليه فماذا عساه يجيب هذه الزوجة المستفزة؟ يبقى صامتا، هذا كل ما يصنع", ولذلك نجد فرويد يطرح التساؤل المشهور" ما الذي تريده المرأة؟"

إنه الغموض، لكن المؤكد هو أنها تميل بشكل كبير الى الكلام، وهذ ما يؤكد المحللون والمعالجون النفسانيون صحته، حيث يؤكدون بذلك على صحة الأفكار السائدة بهذا الخصوص. وفي هذا السياق تقول ماري كولونا أن المرأة مولعة بالحديث، كما أنها تحب أن تنكب لساعات على تحليل معنى حركة ما أو صوت ما أو ملاحظة ما. فلا أحد طالبها بالقطيعة مع أمها ولا عن التعبير عن مشاعرها. فهي تسبح بلا قيود في عالم الأحاسيس منذ ولادتها. وتنصح المحللة النفسانية بان هذا لا يدعوها الى محاولة التحدث عن المسائل النفسانية-الشعورية مع الرجال:" لأنه من المحتمل أن يحسوا بأنهم يتعرضون للهجوم وذلك راجع الى كونهم لا يمتلكون تلك الاحاسيس الصافية المكتملة. ومن جانب آخر، فكيف عسانا أن نعلم والى أي حد نستطيع معرفة ما بذهن الطرف الآخر؟ فهو لا يريد بالضرورة الكشف عما يفكر فيه. وبالتالي فالرجال عندما يكونون في مواجهة نساء يقتحمن شخصيتهم فإنهم يعتبرونهن متهجمات ولذلك فهم يميلون دوما الى التهرب منهن". وبهذا الصدد يجدر بنا أن نتساءل ونقول بكل صراحة: هل فعلا اعتدنا على النطق بتل الكلمة التي تُرهب الجميع والتي تتلخص في الجملة التالية "يجب أن نجلس ونتحاور! "  في الحقيقة لا نقوم بذلك إلا نادرا... ولو فعلنا فإن ذلك لا يحدث الا عندما تكون كل الأمور على ما يرام وفي تلك الحالة فإن الأمور تجري على نحو جيد.

 

 

unsplash.com


حكاية بلا كلمات    

عبد الله البالغ من العمر 46 سنة يقول في استياء:" لقد أصبح الاستمرار مع زوجتي أمرا مستحيلا، لقد جعلت علاقتنا الزوجية مجرد سيارة تقضي كل وقتها في فتحها لفحص محركها، لكن لم لا تمضي قدما عوض الانشغال بذلك؟"، وهكذا فالتواصل لدى الذكور لا يتم بالضرورة عبر الكلمات، وإنما عن طريق الحركات. فالرجال عندما يحبون فإنهم يجعلون النساء يرون ذلك "عن طريق الطبخ وممارسة الجماع ومشاركة الأنشطة الأخرى، و ليس بالضرورة وهم يتحدثون. وتؤكد كولونا أن80 من تواصلنا يكون عن طريق التواصل غير اللفظي، فالعديد من الأشياء التي تصدر عنا لا تتعلق بالتواصل اللفظي، فكلما زاد اعتمادنا على تصوراتنا، زاد احتمال توافقنا."

ولهذا فلماذا يجب على المرأة أن تخاطر بعلاقتها مع زوجها وتقوم بمهاجمته بالكلام وجعله يتهرب؟ هل تفعل ذلك لتتمكن من فهمه أكثر؟ هذا خطأ فادح، ففهم الاخر وجعله يفهمك لا يعني بالضرورة التكلم معه، كما انه بالخصوص لا يعني اقتحام وكشف سره. وفي هذا الصدد يضيف المحلل النفساني ايف ديبيلسونير أن " التفاهم الجيد بين الزوجين والذي يرقى الى درجة فهم ما سيقوله الآخر، أو ما سيفكر فيه ليس أبدا دليلا على الحب."

إذن فالحل السحري هو وجود نقط تلاقي وتفاهم بالرغم من أن سوء التفاهم هو الحالة الغالبة على العلاقة بين الزوجين. إن الأمر المهم والحاسم هو ذلك الصدى الذي نجده في الآخر والذي يعبر عن نقصنا. ذلك النقص الذي يلقي بظله على جانبنا اللاواعي، أما ما دون ذلك من الخلافات اليومية فكل الأزواج يواجهونها بشكل طبيعي وعلى نحو اعتيادي.

 


ليست هناك تعليقات